لكلا الطرفين أقول:
حددوا عدوكم وساحات معارككم ولا تستخفوا بعقول البشر
جنان عبده
التعددية الفكرية وتعددية المواقف الوطنية هي حق،
والدفاع عنها واجب، الا اذا تعدت الخطوط الحمراء. جزء من أسرانا في السجون يملك حق
التصويت، هناك من يصوت وهناك من يقاطع. وهناك من لا يملك حق التصويت. لكننا لا نُخونِّهم
ولا نشكك بوطنيتهم!!. المشاركة في انتخابات البرلمان الاسرائيلي- المؤسسة العنصرية
بامتياز- وتأكيد الولاء لدولة اسرائيل وعدم المساس بيهودية الدولة، يحمل في طياته
اشكاليات كبيرة، لكن ايضا هناك تسن القوانين التي تنعكس مباشرة على واقعنا، رغم ان
امكانية التأثير خاصة على القوانين المهمة لنا بقضية البقاء على ارض الوطن وحقوقنا
كفلسطينيين كاقلية قومية اصلانية، هي امكانية تأثير شبه معدومة. فلا الاراضي عادت
لاصحابها، ولا عاد اصحاب القرى المهجرة لاراضيهم، وتعديل قانون المواطنة يضرب في
الصميم في عائلاتنا وقانون منع حق العودة يمنع اصحاب الحق من تطبيقه ويضرب بعرض الحائط المواثيق الدولية. شهداء هبة
الاقصى ويوم الارض وغيرهم لم يفيهم احد حقهم، فقد اقر القضاء الاسرائيلي ان لا
مجرم مع ان هناك 13 ضحية و13 قبرا. والمجرم زادة في شفاعمرو تحول الى ضحية وتحولت
الضحية الى مجرم يقاضيه القضاء. وكل يوم
هناك اقتلاع وتهجير وتهويد. لكن هناك من يؤمن ايضا ان اخلاء الساحة وعدم محاولة
الاعتراض والتصدي من داخل البرلمان ستودي بنا الى الهلاك والترانسفير. واعضاء
الكنيست العرب من الصف الوطني بغالبيتهم يقومون باداء ما بين جيد وممتاز. مع العلم
ان فائض الاصوات سيذهب هو ايضا للاحزاب الكبيرة كالليكود وفق طريقة الانتخابات
المتبعة في البلاد.
بالمقابل هناك من يعتقد ان الحل لن يكون ولا يكون من خلال البرلمان ولا من خلال تعديل
قوانين، وان ما اخذ بالقوة لا يرجع الا بالقوة. ومجموعات الايتسل والبلماح قامت
بجرائم ضد شعبنا في فترة الانتداب. اسرائيل قامت كدولة كولونيالية استعمارية، دولة
احتلال تقسمنا ما بين مواطنين وسكان وآخرين. تتعامل معنا كطوائف وليس كشعب. تسمينا
"عرب اسرائيل" لتمنع حقنا
التاريخي والشرعي في كوننا جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والامتداد العربي. الا
أن حركة المقاطعة ايضا ليست قوية كفايتها اليوم وليست منظمة بالمستوى المطلوب لتشكل
بديلا للجماهير العربية. وهنا ايضا يطرح رأي انها ليست بديلا ولا نِدّا لمن يدعو
للتصويت. فهي موجودة بمستوى فكري وتطبيقي آخر ولن تكون بديلا للانتخابات. وان
الوجود داخل البرلمان يخدم اسرائيل ويُجّمل صورتها أمام العالم.
مطلوب من حركة المقطاعة ان تتطرح برنامجا قويا واضحا
لجمهورها. مطلوب ممن يدعون للتصويت الا يستعملوا شعار ان من لا يصوت يذهب صوته الى
اليمين، والا يستخفوا بعقول الجماهير ايضا. وان ينتبهوا ان هناك سئموا من لعب دور
"الجسم المانع" بأقصى حد.
لكن الاهم مطلوب من الجميع ان يحددوا العدو، والا تتحول
معاركنا الى معارك داخلية، كما يحدث الان، نتراشق فيها الشتائم والاتهامات وننسى العدو
الاساسي.
احترموا بعض ودافعوا كل واحد عن حق الاخر بابداء رأيه
وتطبيق ما يفكر به- كما قلت بالبداية ضمن الخطوط الحمراء الوطنية. انا لن أدافع عن
أي شخص يدعم حزبا صهوينيا ويرضى بالاسرلة. بل ساتهمه بالعمالة وساحاربه فكريا.
وفيما يتعلق بالمواقف الاجتماعية لهذه الاحزاب والحركات وتلك،
سواء ممن يدعون للمقاطعة او ممن يدعون للتصويت، أُذكِّر كلا الطرفين أن هناك اشخاص
مع افكار رجعية وتقليدية بل ومتخلفة، بكلا الطرفين هناك من يستعمل المرأة كصورة
ولا يحترم عقلها وفكرها. وايضا بكلا
الطرفين هناك نساء قياديات نسويات مع فكر حر. لكن ليس شرطا ان تكوني امرأة كي
تحملي فكرا حرا، وليس شرطا وجود نساء في حزب كي ادعم هذا الحزب كامراة نسوية،
الفكر هو المهم. فقد شهد تاريخ الانتخابات ايضا وصول نساء عربيات للاسف (حسنية
جبارة وناديا الحلو) من خلال احزاب صهيونية يهودية (ميرتس وحزب العمل)، لن ادافع عن التخلف ولا عن الرجعية ولا عن
المواقف الانتهازية الموجودة للاسف بكلا الطرفين ممن يدعون للتصويت ومن يدعون
للمقاطعة.
وفي النهاية اقول سواء كنت مع المقاطعة ام مع التصويت
فان قضايانا الاهم ليست قضايا موسمية. ومن
يؤمن بقضية يدافع عنها حتى النهاية حتى لو كان من يدافع عنه لا يتفق معه فكريا او
ليس عضوا في حزبه او حركته. لان الناس مواقف وليس مصالح.
وأنوه أن ساحات النضال وشوارعنا في الفترة الاخيرة
تستنجد كلا الطرفين لزيارتها. مؤسف جدا ومؤلم ان اسرانا يخوضون اضرابات عن الطعام،
اضرابات الكرامة ولا تجد في المظاهرات الا العشرات، والاحزاب لا تجند لا قياداتها ولا كوادرها
للنزول للشوارع والتظاهر الذي هو ايضا حق تتيحه الديموقراطية لا يقل اهيمة عن الحق
في التصويت والانتخاب والترشح. حق التعبير عن الرأي وانتقاد الراي. مؤسف جدا ان
تظاهرة لدعم الاسرى في يوم الاسير تم الغاؤها بسبب خلافات سياسية وبسبب معركة بين
الاحزاب والقوى السياسية المختلفة على من يقود المعركة!!! قاعة المحكمة التي تجري فيها محاكمة شباب شفاعمرو تكاد تكون خالية الا من الشباب المتهمين أنفسهم فأين التمثيل السياسي واين الكوادر الحزبية من هذه القضية أيضا؟!!
اختاروا ما شئتم. اختاروا التصويت او اللا توصيت،
اختاروا المقاطعة او اللا مقاطعة. لكن حافظوا على مستوى اخلاقي بالاداء، حددوا
عدوكم وساحات معارككم ولا تستخفوا بعقول البشر. فلا وجودنا بالكنيست اليوم ذات وزن
نوعي ولا المقاطعة ذات وزن نوعي. كلا الطرفين منقوص وكلاهما بحاجة لتحسين اداء.