Thursday, November 10, 2011

النساء الفلسطينيات والمحاصصة السياسية

جنان عبده
إذا خلطنا اللون الأصفر باللون الأحمر نحصل على اللون البرتقالي، وإذا خلطنا الأحمر بالأخضر نحصل على البني، وممكن أن نتحكم في اللون فننتج منه أطيافا تتراوح من الفاتح إلى الغامق، لكنّنا لا نقدر أبدًا أن ننتج أو نصَنِّع اللون الأحمر، لأنه لون أساس. هذا ما تُعلمنا ايّاه قواعد الكيمياء ودروس خلط الألوان. نتعلم ذلك سواء في ورشات الفنون أو في مختبرات إنتاج الألوان. لكن الأمر ليس صحيحًا إذا وصلنا حدود السياسة، فالاوراق لا تختلط هناك حسب هذه القواعد، والمعادلة لا تفرز شرطا ما نصبو إليه. فقواعد اللعبة هناك غير ثابته دائمًا وغير واضحة المعالم.
الدروس الحية والتجارب الميدانية في "علم السياسة" و"الممارسة السياسية" تعلّمنا أنّ تخصيص أماكن متقدمة للنساء في مواقع صنع القرار هو مؤشر هام، لكن لا يضمن دوما وصول الفكر النسوي لهذه المواقع. لماذا؟ الأمر بسيط؛ لأن الفكر النسوي غير مقصور على النساء. بمعنى، أنه ليس من المفروض أن تكوني امراة، كي تحملي فكرًا نسويًا، والعكس صحيح أيضا. ممكن أن تكوني امرأة وغير نسوية، تحملين أفكارًا تسيء للنسوية والفكر والخطاب النسوي. هذا الأمر أكّدته التجارب القريبة والبعيدة منها في الحقل السياسي والحزبي، على تنوع أطيافه وتياراته الوطنية وغير الوطنية، الملتزمة وغير الملتزمة. كما أكّده الكثير من الناشطات ذوات الخبرة في الحقل النسوي.
فكما تقول بيل هوكس (2000)، المفكرّة الأفرو-أمريكية، "النسوية ليست للنساء فقط، النسوية للجميع". وهي تقصد هناك أن النسوية، كفكر وممارسة، ليست حكرًا على النساء، بل أنها مفتوحة أمام الجميع، رجالا ونساء، من كافة الطبقات والانتماءات.
وتذهب هوكس في نقدها، خطوة أبعد من ذلك، حين تقوم، كنسويّة، بانتقاد هيمنة النسوية الليبرالية البيضاء على أجندات وخطاب الحركة النسوية الأمريكية في سنوات غدت، وتنتقد فرض النساء البيض لأجنداتهن وخطابهن على أنه الخطاب الواحد والأجندة الوحيدة الممثلة لجميع النساء، بما فيه النساء الأفرو-أمريكيات والآسيويات. وهي تفعل ذلك من منطلق غيرتها على الحركة النسوية وإيمانها بأنّ هناك أملاً في التغيير، وأنّ من واجب أولئك النساء ومن حقهن أن يناضلن وأن يرفضن التهميش والإخراس الحاصل لأصواتهن، كون الحركة حركة جميع النساء وجميع أصحاب الفكر النسوي.
كما أنّ الكثير من المفكرات النسويات أمثال دينيز كانديوتي (2002) وجياتري شكرباتي-سبيفاك (2002) وأوما ناريان (2005)، ينتقدن هيمنة الخطاب الغربي على الحركة النسوية، وعلى ميل مفكرات نسويات فرض أجنداتهن وخطابهن على نساء العالم من خلال محاولة فرض مفاهيم الأخوّة (الأختية-sisterhood) التي تربط بين نساء العالم، وتوحيد أجندات كل النساء في العالم على أساس كونهن ضحايا القمع الذكوري والمجتمع الأبوي.
تبين الباحثات النسويات المنتميات لدول ما يسمى بـ"العالم الثالث" أنّ لكل منطقة ثقافتها وخصوصيتها وحاجياتها، وأن هذه المناطق تعاني من تاريخ طويل من الاستعمار والاحتلال لا يمكن أن تنساه أو تتناساه، وأنه يقف في صلب رؤيتها للنسوية. فتقول تشاندرا تالبيد موهانتي (2002) إن أيّه مناقشة للبناء الفكري والسياسي لما يطلق عليه "الفكر النسوي في العالم الثالث" لا بد أن يتناول مشروعين اثنين متلازمين، ألا وهما: نقد هيمنة التوجهات النسوية "الغربية"، وتشكيل قضايا واستراتيجيات نسوية مستقلة على أسس جغرافية وتاريخية وثقافية، وتشدّد هدى الصدة (2002) على نشوء وتبلور خطابات نسوية محلية في هذه المناطق.
يمكن القول إن النسوية وعي وممارسة، وقد أثبتت التجارب المحلية، لدينا أيضًا، أنّ رفع شعار "حق المرأة على جسدها" ورفع شعار"حق المرأة في العمل" و"حق المرأة في التمثيل السياسي والمشاركة في صنع القرار" وعنه "ضرورة محاصصة مواقع للنساء في القوائم الحزبية" لم يضمن للنساء حقا ممارسة وتطبيق هذا المفهوم وهذا الشعار، وكثيرًا ما بقي حبرا على ورق.
فالكثير من النساء لدينا يقمن بتطبيق "حق التصويت" بشكل تقني يسيء للمرأة ولمفهوم المشاركة بصنع القرار، عندما يقمن بالتصويت لمرشح الحمولة أو الطائفة أو البلدة أو المرشح الذي أجمعت عليه العائلة وقام الزوج بتوجيه الزوجة للتصويت له، وفي بعض الأحيان يصل الأمر لأن يقوم الأزواج بالتصويت بدلاً من نسائهم. ظاهرة تحدثت عنها ناشطات نسويات في مناطق مختلفة من بلادنا للأسف. حيث أثبت الأمر الخطأ في فهم وتطبيق مفهوم "المشاركة في صنع القرار"!! بذلك لا تسيء المرأة للنسوية فقط، وإنما لذاتها ككيان، وتبين أنها لم تستقل ولم تتحرّر بعد من أعباء الرجعية والقبلية والفئوية التي ما زالت للأسف تضرب جذورها في مجتمعنا. فهل هذا ما صبت إليه الأطر النسوية التي حملت هذا الشعار؟ هل لاءمت الآليات والاستراتيجيات الأهداف المرجوة من توعية النساء لتطبيق حقهن بصنع القرار؟!.
هذا على مستوى الحقل وحق المرأة بالتصويت، أما على مستوى القوائم الانتخابية وحق المرأة في الترشح، نجد ليس فقط أن رفع شعارات كهذه لم تضمن وصول الفكر النسوي إلى الناس، بل أفرزت في الكثير من الأحيان وصول نوعيات غير وطنية وغير تمثيلية ولا تمت للنسوية بصلة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، أفرزت عملية محاصصة موقع لعربي، وصول "أول امرأة عربية للكنيست" من خلال حزب صهيوني (ميرتس)، التي وصلت إلى هذا الموقع، ليس كنتاج لنشاط ميداني وتراكم عمل نسوي ، بل نتاج هذه العملية، واختفت من الساحة مجدّدًا مع انتهاء دورة الكنيست. ومجددا أفرز تشجيع نساء عربيات للوصول لمواقع كهذه، وصول ثاني امراة عربية للكنيست، ومرة أخرى من خلال حزب صهيوني (العمل)، رغم أنها لم تصل من خلال عملية المحاصصة.
وقد حاولت "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" في الانتخابات الأخيرة للكنيست أن تخوض هذه التجربة (تجربة إيصال نساء لمواقع صنع القرار)، ورفعت نساء الجبهة هذا الشعار بشكل بارز، فخضن المعركة الانتخابية بكثافة، فأفرزن ترشيح امرأة في الموقع الأول، وامرأة في الموقع الثاني وست نساء في الموقع الرابع!!
لكن التجربة، لم تكن ناضجة كفايتها كما يبدو، حيث تراجعت المرشحة الثانية وخمس من الست مرشحات للموقع الرابع في اللحظات الأخيرة، فبقي السؤال الأكبر: لماذا ترشحن من البداية ولم يقمن بالاتحاد ودعمن مرشحة واحدة تحمل فكرا نسويًا، أو مرشحا يحمل هذا الفكر!!
حيث أثبت الحـــزب الشيوعي، قبل الجبهة تاريخيا، من خلال برنامجه السياسي وأعضائه الناشطين في الحقل سواء في الحركة الطلابية أو النقابية أو غيرها، أنه كان سباقا بين الأطر الوطنية، على طرح قضايا المرأة الأكثر حساسية وحاجة. وقد نجح هذا الحزب في إفراز عناصر قيادية وطنية تحمل شعار حق المرأة ممارسة وليس فكرًا فقط.
وفي "التجمع الوطني الديمقراطي" أعلنت المرشحة على المنصب الثالث في حينه، في القائمة للكنيست، أنها لا تترشح كونها امرأة، وقد تقبلت النتائج، التي لم توصلها لهذا الموقع، وصرحت في حينه، أن الجمهور كما يبدو غير جاهز بعد لوجود امرأة في موقع كهذا!
يبدو أن "التجمع" قرر، في هذه المرة وفي المؤتمر الخامس، أن يغيّر استراتيجياته بهذا الموضوع، فحمل شعار المحاصصة في المواقع للنساء، وخرج بنتيجة مفادها بأن كل موقع ثالث ضمن أول 21 موقعًا يخصّص لامرأة. لكن المحك الحقيقي هو فيما تفرزه هذه المحاصصة من فكر وليس من بنى بيولجية أو جندرية، بمعنى، أي فكر ستوصل هذه المحاصصة، وأي خطاب. وهل ستحمل النساء القادمات الفكر النسوي؟ وهو أمر من المبكر تقييمه. ولماذا لم تنجح رائدات الفكر النسوي في التجمع من الوصول لمواقع صنع القرار، كاللجنة المركزية، هذه المرة. هل المشكلة هي في الأسلوب وفي اتّباع المحاصصة كنموذج أم يعود الأمر لأسباب أخرى يجب معرفتها ودراستها.
لقد أثبتت التجارب، من جهة، أن المحاصصة في قضايا وصول النساء لمواقع صنع القرار، لا تخدم بالضرورة الفكر والخطاب النسوي، ولا تفرز بالضرورة ممارسة نسوية. من جهة أخرى، أثبتت تجارب ميدانية سابقة، مثال "ائتلاف البديل لمحاربة جريمة شرف العائلة"، التي ضمت نساء ورجالا، أن الفكر النسوي ممكن أن يحمله رجال، كما تثبت الكثير من التجارب والممارسات سواء الحزبية أو غير الحزبية، أنّ الممارسات القمعية والهيمنة ومحاولات الإقصاء وإخراس الصوت، والعمل ضد الفكر النسوي ممكن أن تقوم به نساء أيضًا.
بالتالي، تكون مسؤولية المراجعة والتقييم والنقد الذاتي مسؤولية جماعية، تقع على عاتق الأحزاب كما الحركات والأطر النسوية، وعلى الأفراد الناشطين والناشطات ضمنهم.
ما هو واضح أن الأمر يتطلب وقفة؛ فربما يحتاج مطلب المحاصصة إلى اعادة تقييم، وربما هناك حاجة للتفكير باستراتيجيات بديلة تضمن وصول الفكر وليس وصول المرأة، كل مرأة وأية مرأة بكل ثمن!


No comments:

Post a Comment